رئيس التحرير: عادل صبري 05:31 مساءً | السبت 26 أبريل 2025 م | 27 شوال 1446 هـ | الـقـاهـره °

حمزة محسن يكتب: زحل ٢٠٤٠

حمزة محسن يكتب: زحل ٢٠٤٠

ساحة الحرية

حمزة محسن

المقال الثالث من سلسلة "سوف أحكي عن تجربتي"..

حمزة محسن يكتب: زحل ٢٠٤٠

حمزة محسن 17 أبريل 2017 15:41

اعتاد القوم فى محبسنا لهفة سماع الأخبار لمتابعة الأحداث، شبق معرفى لمسايرة دنيا الناس .. للاطمئنان على حال الثورة والثوار!.

 

كحال كل من غيّبه السجن عن عمله.. عن أهله.. عن معارفه وأحبابه.. عن رسالته.. وعن حياته.. كانوا.. وكنت..

كنا نتلمّس الخبر.. نتحسّس الأمل.. ننتظر فرجًا محمولًا على سبب!.

 

فى تلكم النقطة - متابعة التطورات - كنت أتابع الأخبار فى نصف انتباهة وربع تركيز وسدس شغف وثمن فضول، وثلاثة كيلو جرامات من اللب السوبر.. حقاً لم أكن شغوفًا بمستقبل ثورة كفل الله لجنده فيها الغلبة ووعدهم بالاستخلاف والتمكين ما عبدوه حق العبادة؛ كنت أرى أن واجبى هو "حق العبادة"!.. كنت أعي تماماً أسباب تأخر النصر كما أوردها صاحب الظلال مفسراً "...وإن الله على نصرهم لقدير..."؛ كنت أتناولها بتسليم مطلق؛ فواجبى هو "تمام التسليم "!!.. كنت أذعن لسنة الله الكونية الأزلية.. سنة التدافع.. كنت أوقن أنها أدوار نؤديها.. نتبادلها؛ كلٌ فيما أقامه الله فيه.. خارج السجن ثائر ومغامر وداخله صابر وصامد..

 

بتُّ الآن أُحَمِل أولئك القادة "الدراويش" مسئولية إزهاق أرواح رفاقي وأتمنى محاكمتهم سياسيًا.

 

ولكن بعد أن بدأت الرحلة صرت أتساءل؟! عن سر تغيُّري.. عن سر تململى من ذاك التسليم ؟!!.

 

فى السابق.. كنت أستسلم لقَدَرى لدرجة كانت تدفع معظم المحيطين بى لتجنبى مشاركتهم أحاديثهم عن إمكانية الخروج من السجن وعن امتلاك أسبابه ووسائله؛ كانوا يتندَّرون بعبارات من نوع: "لن نتحدث معك؛ أنت أصلًا تحب السجن"!!..

بالفعل كنت قد وصلت إلى درجة عالية جداً من التكيُّف والتأقلم يصحبه الرضا والتسليم فى أقصى درجاته..

 

الآن.. ما الذى اختلف؟.. ما الذى جعلنى أتمرد على حياة السجن؟!.. كنت على استعداد تام لأقضى فى ذلك المكان بقية عمرى!، ما الذى جعلنى الآن أود ألا أمضى فيه دقيقة أخرى؟!.

 

لماذا ضاقت نفسى منه وبه وفيه؟!!..

أتساءل!!..

حتماً للأمر بُعد "إيمانى"؛ فهو كما ورد يزيد وينقص..

 

إذن أنا فى حاجة لشحنة إيمانية جديدة ترفع عندى معدَّل التسليم!.. أحتاج إلى أوراد مُعِينَة..

 

صحيح.. ربما أداء المكتوبات ينقصه الخشوع؟.. ربما القرآن بين دفتيه آيات مهجورات؛ تلاوة.. تدُّبراً .. حفظاً وعملًا؟ .. ربما ساعات الليل الناعس لا أصفف فيها قدمان لمولى يتنزل؟.. ربما أقصِّر فى أداء النوافل وأتناول طعامى كل النهارات؟.. ربما أسىء الظن وأغتاب وأحسد؛ فأعتلُّ بأمراض القلوب؟.. صحيح.. كل تلك الأمور واردة جداً، ولكن ماذا لو كان حال القلب هو الرضا بالله وعنه، والجوارح تصدِّق تلك الحالة بما في الوسع، وتتهم نفسها بالتقصير صباح مساء، وللنفس نحو الرقى والوصول سعى دءوب لا ينقطع؟!!.

 

إذن ربما لحالة التململ والضيق تلك بُعد آخر غير سالف الذكر..

 

ربما للحكم القضائى الذى صدر فى حقى ذلك التأثير؟!.. ولكنَّ أحد "الجنائيين" بشَّرنى منذ أيام بأن "المؤبد" معناه قضاء عشرين سنة فقط، وليس كما يتوهم البعض خمسا وعشرين!!.

 

وبخصم ثلاث سنوات ونصف أمضيتها فى فترة التحقيق، يتبقى ...اممم.. ربما وقت الخروج قد أتمكَّن من متابعة مباريات كأس العالم "زحل 2040".

علام الضيق إذن؟!!..

 

ولكنى أعتقد أن حكماً مسيساً أمام قضاء عسكري؛ لن يكون له قرار، وستذروه الرياح يوماً ما بتغيرات سياسية بسيطة.. التجارب فى هذا الإطار تتحدث؛ هذا اعتقادى فعلًا وليست أمانىَّ.. أيضاً أنا فى تلك الحال من التملص منذ أشهر عديدة قبل صدور الحكم بفترة كبيرة!.

 

إذن .. أنا لا أعتقد أن للحكم القضائى تأثير لوصولى لتلك الحال من السخط!.

 

مازلت أتساءل ؟!!... عن سر التغيُّر..

كنت قد تتبعت ممارساتنا السياسية في السنوات الأخيرة؛ فلم أجد فيها فترة مُشرِّفة سوى أيام الثورة الثمانية عشر.. كان أداؤنا السياسي فيها ممتازًا؛ فتأخير الإعلان بالمشاركة في تلك الفاعليات الاحتجاجية، وإعلاء الخطاب "الوطني" وتجنب رفع أية لافتات حزبية أو دينية، وإدارة للتنوع كانت في أبهى صورها، ومناورات سياسية كانت تجري على قدم وساق طيلة الوقت؛ آخرها كان إعلانهم عدم الترشح لمنصب الرئيس في اليوم السابع عشر؛ ما ساعد بصورة كبيرة في إزاحة مبارك بعدها بساعات..

 

كان الإخوان وقتها يدركون جيدًا موازين القوى، ويناورون وفق الممكن بصورة تبهرك حقًا.. بعدها وبدءًا من استفتاء مارس وتماهى الإخوان مع "غزوة الصناديق" ووصف رفقاء الأمس بممارسي "البلطجة السياسية" والتسفيه من أصحاب المسار الثوري؛ فـ "شرعية البرلمان بدأت وانتهت شرعية الميدان"، ومن قبلها أحداث محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء، والتحالفات "الإسلامية" في "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" التي ضرت بأكثر مما نفعت، مرورًا بالأغلبية المستفزة التي استحوذت على البرلمان بعد أن كانت رسائل "المشاركة لا المغالبة" تطن بالأسماع. 

 

وجدت أن "برلمان الثورة" على ضجيجه ونكهته المختلفة قد نجح "تشريعيًا" في مسألتين ليس إلا؛ الأولى هى إقرار القانون الخاص بفرز الأصوات داخل اللجان الفرعية بالدوائر الانتخابية، والثانية هى قانون العزل السياسي الذي يمنع الرموز التي أفسدت الحياة السياسية من ممارسة السياسة، اللطيف في الأمر أن القانونين كانا من مقترحات غير الإخوان!

 

أما عن بعض القوانين التي قدَّمناها كقانون "المرأة المعيلة" أو قانون "ترقِّي أمناء الشرطة لرتب الضباط" وغيرها فلم تكن غير فلتات في برلمان لم تكن له رؤية بأية أولويات تشريعية.. برلمان ظل في فترة عمره القصيرة حبيس دوائر ردات الفعل!، وباستكمال المسيرة وصولًا إلى قرار الترشح لرئاسة الجمهورية، وما حواه خطاب الإخوان حينها من مبررات لا توحي بغير سذاجة سياسية على أعلى مستوياتها؛ (فعدم تعاون الجهاز الإداري للدولة في الملفات الاقتصادية والأمنية ورفض تشكيل حكومة تعبِّر عن أغلبية البرلمان وعدم توافق القوى السياسية والدفع بمرشحين من رموز النظام السابق؛ ما دفع الجماعة لتقوم بدورها التاريخي في الحفاظ على الثورة، وعلى ثقة بتأييد الشعب العظيم!!!..).

 

كل تلك الأمور كانت الأقرب تمامًا إلى مصوغات عدم الترشح كما نصح الناصحون وقتها وحذروا من ذلك "الفخ"؛ فالسلطة لا تكون بغير أدوات، وإذا افترضنا استطاعة الإخوان لصناعة الأدوات وهم في السلطة؛ فكان عليهم أن يتخففوا من أحمال أيديولوجيتهم الثقيلة جدًا والغير مقبولة من كافة الأطراف ليمارسوا السياسة وفق قواعدها ووفق جوهرها.. فن الممكن وفق موازين القوى، وهو الأمر الذي حدث نقيضه بدءًا من "لبيك سوريا" ومكايدة أهل الشيعة في ديارهم بـ "الترحم على الصحابة" مرورًا بالغياب التام للشفافية التي تكشف للشعب عِظَم التحدي والتي غيَّبت بإرادتها دور المستشارين وسمحت بذلك التدخل المقيت من "مكتب الإرشاد" في كل صغيرة وكبيرة تخص "مؤسسة" الرئاسة، وتعاملهم مع الأخيرة على أنها إحدى لجان الجماعة!، وصولًا إلى تلك السذاجة اللا متناهية في الأمان لـ "جناحى الوطن"؛ فهم "رجالة زى الدهب"، والاستبعاد التام لسيناريوهات الإطاحة عن طريق "انقلاب عسكرى"؛ ليكون الإخوان -وهم المعنيون بالأمر- هم المتفاجئون الوحيدون بحدوثه!، وبعد حدوثه كان الغياب لأية خطط استراتيجية واضحة لإسقاطه تستند إلى أية تجارب تاريخية أو جغرافية.

 

الآن صرت أتعجب من ذاك الأداء السياسي الارتجالي "الدرويش" الذي افترض في التجمعات البشرية مسارًا ناجعًا وحيدًا للتغيير؛ مستنسخًا تجربة "يناير" التي لم تكن فيها الجماهير سوى غطاء لإزاحة رأس النظام، ولولا تشابك المصالح مع مديري الأحداث وقتها لما أثَّرت غضبتها في شىء؛ أتعجب من حساباتهم الساذجة التي ساوت بين "التحرير" في اتساع شريحة مريديه وتنوعهم وضغطهم على المجلس العسكرى "الوسيط" ليسمح بتنازل "الطاغية"، وبين "رابعة" في حالة استقطابها الحاد وخطابها الذي لا يسمح بأية حلول وسط، بعد تجربة حكم فاشلة استُنزِف فيها الإخوان وفقدوا جزءًا كبيرًا من رصيدهم..

 

أتساءل على مَن كنا نضغط؟!، وكنا في انتظار لتدخل مِن مَن؟!!.. بتُّ الآن أُحَمِل أولئك القادة "الدراويش" مسئولية إزهاق أرواح رفاقي وأتمنى محاكمتهم سياسيًا، تمامًا وفي ذات درجة تحميلي للجلَّاد لعنة الدماء!.. ناهيك عن محاولات البعض مؤخرًا لإعادة التوازن إلى المشهد بامتلاك أي من أدوات القوى التي قد توجع الخصم وتسمح باستحواذ أي من أوراق الضغط، والتي باءت بذاك الفشل الذي نحياه الآن بعد انقلاب الحرس القديم وتغلبهم على الجماعة وإعلان "الصبر مفتاح الفرج"!

 

الآن لم يعد لتساؤلي عن سر تغيري داع.. فالأمر غدا واضحًا بيني وبين نفسي.

 

أنا على استعداد كامل بأن أمضي في ذلك المكان بقية حياتي إذا كان في الأمر ثورة.

 

أنا على استعداد كامل بأن أمضي في ذلك المكان بقية حياتي، مستعد بأن أتنقل بين السجون فأعانق حرَّ هوائه أو زمهريره، أن أتنشَّق عليل نسائمه أو عفن رطوبته، أن أتناول الأطعمة الشهية وأشرب المياه المعبأة أو أتناول اللقيمات المقيمات الصلب وأشرب من صنبور مياهه الملونة.. الأمر سيان.. مستعد تمامًا أن أستلهم من "مانديلا" نموذج الصمود؛ فلا أجزع إلا بعد سبع وعشرين سنة!..

 

ولكن فقط إذا كان لذلك الأمر معنى.. إذا كان له مقابل "دنيوى" ملموس؛ فالآخرة خير وأبقى في كل الأمكنة ولم تكن يومًا حصرية على السجون كأماكن لطلبها!. إذا كان الأمر ضمن منظومة يقوم على رأسها أصحاب بصيرة واقعية مدركة لطبيعة الصراع، وليست ثلة من أناس غادروا التاريخ والجغرافيا وآثروا الحياة في غياهب التيه السحيق مع غير البشر.. إذا كان الأمر ضمن مؤسسة ترسم طريقًا وتحقق هدفًا.. وليست تجمعات اتكالية عاجزة تتمنى على الله الأماني.. إذا كان في الأمر ثورة..


الآن فطنت إلى سر التغيُّر.
 

حمزة محسن

مدون مصري وسجين سياسي

المقال الأول: متساقط أنا
المقال الثاني: 
القواعد من الرجال

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان